الوفــاء
يقول الراوي/
كان الشباب يجتمعون في بيت الجلاَّس ؛ فمنهم من يريد أن يحاور
السلطانة ، وهي فتاة تجيد فرض الشعر وتأليف الألغاز ، يحاورها الرجال وعندما يعجز محاورها عن الردّ
عليها ومجاراتها تأخذ من أشيائه الخاصَّة شيئاً رهينة كقطعة سلاح أو جواد أو جرد أو
خاتم أو ما شابه ذلك .
وهناك شاب يأتي مبكراً إلى البيت ويخرج متأخِّراً ولا يتكلم
أبداً بل كان يكتفي بالاستماع والنظر للفتاة .. ذهب الشهر الأول ودخل الشهر الثاني
فالثالث وهو على هذه الحالة .. فلفت انتباه السلطانة له .
ذات ليلة وهو يهم بالخروج اقتربت منه وقالت له : " أنت أول
من يأتي وآخر من يخرج دون أن تتكلم أو تشارك في
الحوار ، فلماذا !؟ "
الحوار ، فلماذا !؟ "
وهو في حقيقة الأمر كان ينتظر هذه اللحظة ليبوح لها بشعوره
تجاهها .
تجاهها .
قال لها : أنا آتي من أجل أن أكون بجانبك ، ولا أستطيع أن
أحاورك لأنني لا أجيد الشعر وصوب خليل .. وأنتِ لا تجيدين طريقتي في التعبير عن
عواطفي ومشاعري .. أنني أجيد عزف المزمار ... وأنتِ لا تعرفين كيف تعزفين به .
قالت : فما هو سبب حضورك
لبيت الجلاس ؟
قال : أشعر بالراحة والسعادة وأنا بجانبك.
عرفت السلطانة غايته ؛ وهي كذلك كانت تميل إليه .
قالت : وأنا كذلك أشعر
براحة عندما أراك .
قال لها : إنني أريدك زوجة ،
لكن ليس لديَّ ما أقدمه مهراً لكِ ، فأنتِ ابنة شيخ النجع ، وسلطانة بيت الجلاس ،
وأنا فقير ولا أملك شيئاً .
قالت له : كم يكفيك من الوقت
لتكوِّن نفسك ؟
قال : يكفيني ثلاث سنوات
.
قالت : اذهب ومعك عهد ثلاث
سنوات .
أعطاها المزمار ، وذهب ليبحث عن عمل .
خرج من النجع و ذهب
لنجعٍ آخر ، ودخله على أنه أبكمَ لا يتكلم ، وطلب منهم أن يجدوا له عملاً ، فقال
له شيخ النجع : أتستطيع أن ترعى الأغنام ؟.
فأجابه بالإشارة : نعم .
وأصبح راعي غنم ، لكنه تعمَّد عدم الكلام فلقَّبه أهل النجع
بالأطرش :
بالأطرش :
وانقضت الثلاث سنوات ، وعاد بالأغنام إلى النجع وهو يتغنَّى بهذه
الغنَّاوة:
العقل ما عليه ملام
هفَّوا عليه لولاف اوبكى.
استغرب أهل النجع ... الأطرش يتكلم ... الأطرش يتكلم ..!؟
خرج الجميع لملاقاته والكل يسأل عن السبب الذي جعله يتكلم ..
ونقلوه إلى بيت شيخ النجع فمثلَ أمامه فعرف شيخ النجع السبب الذي جعله يتكلم فقال له مباشرة :
أنت أعطيت عهداً لشخص ما وانقضت مدته وتريد أن تعود إليه .
قال الراعي : نعم إنني أحبُّ فتاةً
في نجع أهلي ، وهي تحبني ، وقد أعطيتها وأعطتني عهداً لمدة ثلاث سنوات لكي أكوِّن
نفسي ثمَّ أتقدم لخطبتها ، واليوم اكتملت المدة وأريد أن أعود إليها .
اجتمع رجال النجع و قرَّروا أن يعطوه من الأغنام ما شاء ، وأن
يعطوه جملاً وبيتاً وأمتعة وألبسة العروس ومهرها ، وكذلك أعطوه جواداً ليعود إلى
أهله غانماً سالماً .
وفي الصباح أخذ كل ما أعطيَ له من أهل النجع ورحل .. استغرقت
رحلته أياماً وأياماً واقترب من مضارب أهله وكان الوقت ليلاً ... فقال لا أريد أن أدخل النجع ليلاً فالصباح أفضل
حتى يشاهد الجميع ما أحضرت للسلطانة ، فنام في أحد الأودية ، وعندما استيقض في
الصباح لم يجد مما أحضره معه شيئاً ، فقد سرقت الأغنام والجواد والجمل بما حمل .
بحث عنها ولم يجدها حتى اللِّيل ، وقال كتب الله لي أن أدخل
النجع في اللِّيل كما خرجت منه في اللِّيل .!؟
تنكر ودخل النجع ، فإذ بالسلطانة جالسة على كرسيِّها في بيت
الجلاس وفي يدها مزماره ، وهناك شاب طلب منها المزمار وحاول أن يعزف به ، لكنه لم
يجد العزف ، الأمر الذي دفعه لأخذه
منه ، وعزف به فاقتربت منه السلطانة وقالت له : ( تجيب من اموايرهم .. يا ضيف لولا ياسَّم )
منه ، وعزف به فاقتربت منه السلطانة وقالت له : ( تجيب من اموايرهم .. يا ضيف لولا ياسَّم )
قال لها : أنا هو فلان .
وحدَّثها بما حدث معه ،
فقالت له : اذهب وابحث عن عمل ولك عهد ثلاث سنوات أخرى .
فترك المزمار معها ، وذهب إلى المدينة ، وتحصَّل على عمل في
إحدى الشركات ، وبعد ثلاث سنوات قرر العودة و الزواج من فتاته . ولكن مدير الشركة
قرر أن يكرمه بإقامة حفل توديع .
وكان الحفل بهيجاً ولكن في ختامه كانت المأساة فقد سرقت
كل نقوده .
كل نقوده .
في هذه الفترة تقدَّم أحد الأغنياء لخطبة السلطانة وبعد إلحاحه
وإلحاح أهلها وافقت ولكن بشرط واحد فقط ؛
على العريس أن يوافق
عليه ، وهو أن يوافق على كلمة تكتب في العقد ويشهد عليها الشهود ويتعهد بتنفيذها وهذه الكلمة هي كلمة ( كاتب ) ووافق العريس على الشرط .
عليه ، وهو أن يوافق على كلمة تكتب في العقد ويشهد عليها الشهود ويتعهد بتنفيذها وهذه الكلمة هي كلمة ( كاتب ) ووافق العريس على الشرط .
قرَّر الغائب العودة ليقول لها : تزوجي فإن النصيب أقوى من
الإرادة .
الإرادة .
بالفعل حضر إلى النجع ، وكان ذاك اليوم هو يوم عرس
صاحبته ، ووجدها في كرمود على جمل تقوده عجوز ، ا قترب ثم أخذ الرسن من العجوز ، ومن المعروف أن الذي يريد أن يغنِّي يمسك برسن الجمل الذي يحمل العروس .
صاحبته ، ووجدها في كرمود على جمل تقوده عجوز ، ا قترب ثم أخذ الرسن من العجوز ، ومن المعروف أن الذي يريد أن يغنِّي يمسك برسن الجمل الذي يحمل العروس .
وغنَّى غنَّاوة علم وقال :
عزيز ما عليه ملام
رجانا رجاء واجد سمط .
عرفت العروس صوته ، فأوقفت الجمل وقالت لهم أنزلوني :
نزلت وطلبت العريس وقالت له : إنَّك قد وافقت على شرطي الوحيد.
قال : نعم
قالت : وهل تعرف معنى كلمة
كاتب ؟
قال : لا
قالت :
كاتب عليك العقل
يلفا عزيز را مالك غلاء
فقال لها : أنتِ طالق .
وبعد أن طلِّقت منه تزوَّجها
حبيبُهَا ، وأعطاه أهل النجع البيت بكامل أمتعته ، وجواداً وناقة وتمنُّوا له حياة
سعيدة .
إرسال تعليق
(مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)