من التراث الليبي بيت الجلاس
للاعلان

مُدَوَّنَةُ الْمُهَنْدِسِ نَبِيلَ دَخِيلَ الْحَاسِّيِّ تُرَحِّبُ بِضُيُوفِهَا الْكِرَامِ اهلآ وسهلآ بِكَمْ جميعآ اتمنى لَكُمْ قَضَاءُ وَقْتِ مُمْتِعٍ

من التراث الليبي بيت الجلاس

بيت الجلاس

 

         بيت الجلاَّس هو أحد أركان التراث اللِّيبي المندثر منذ زمن
طويل ؛ فأغلب الأجيال الباقية على قيد الحياة لم تعشه إلاَّ
ما ندر ؛ لكن تتناقل محاورته وآدابه وسلوكياته المختلفة بالرواية عن عدة أشخاص ، وفي هذه اللمحة أتطرَّق لبيت الجلاَّس بالرغم من شحِّ المصادر التي تتحدَّث عنه .
بيت الجلاس يشبه كثيراً ما يُعرف اليوم بالمنتدى الثقافي ، بسبب المساجلات أو المطارحىت الشعرية التي كانت تدور فيه ؛ إذ كان يجتمع فيه الرجال من أجل محاورة ( السلطانة ) وهي إحدى فتيات النجع ذات صيت ذائع برجاحة العقل وسرعة البديهة ، وحسن
الرد ، والمقدرة الفائقة على محاورة الرجال بكل أدب واحترام .
و ( السلطانة ) تحاور كل من يرغب المحاورة ، وله القدرة
على ذلك ، وهي موجودة في ( بيت الجلاَّس ) يأتي إليها الرجال من كل حدب وصوب ، فمهمن  يأتي للاستماع فقط ، ومنهم من يأتي للمحاورة  .
وفي كل الظروف للسلطانة الحرية في قبول التحاور أو رفضه ، ولها دلالات على الرفض منها مثلاً : عندما يدخل الرجل الذي يريد المحاورة تبدأ في إعداد الطعام ، ويُعرف من ذلك عدم رغبتها في المحاورة ، فتعدُّ له الطعام من باب إكرام الضيف ثم يرحل ، لكنه أتى من أجل أن يستمع إليها ويحاورها ، وليس من أجل الطعام لذلك عليه أن يوجِّه لها اللوم ، ويبيِّن لها ما جاء من أجله ، ويطالب
بحقوقه منها .
 من الأمثلة حول تلك القصص الحكاية التالية :
دخل الرجل لبيت السلطانة ، لكنَّها بدأت في إعداد
الطعام ، وهذا ـ كما عرفنا ـ دليلٌ على عدم رغبتها في المحاور فبدأها قائلاً :
الله يبعد الشيطان يا سافية الخجل
يا شبهة اللِّي ناكر البزَّار
وين ما عليك العقل بثقاله نزل
تشيل من عليه وتهلبه في الدار
هي فيك يا لخت قصرت نظر
والله صغيره ما تعرفي لقدار
طالب معاك الحق والحق ينتشر
ويقبى قباله والعرب حضَّار
إن طالن عليه حقوق تاخذيهن اوفا
وتأخذي حقوقك نقز بالدينار
وإن تمَّن له حقوق موصاحب طَوَلْ
سبيل عادته قاصر مع القصَّار


وإن طالن عليه حقوق


العقل راه سَلاَّك يا علم

وإن تمَّ يريد حقوق


العقل يا علم را ما يفوتن

!!!!
كذلك على هذا المنوال هناك قصة مشابهة ، غير أنها تختلف في مضمون قول الرجل بعد أن لاحظ عدم رغبة السلطانة في المحاورة فقال لها :
اللِّي ما تنط الجرف مي مبروره
واللِّي ما يعدّ العيب مو حمَّال
وإن كل واحد تمّ يكرب شوره
راه الكرب يقطع من متين احبال
وراه الشطّ موزين للمسفوره
لسبدّ ما يقبن هناك هزال ([1])
وراه المشي موساهل علي المكسوره
امفيت ما يلايم كسرها ع الحال
وأنتو هل عقول وتعرفوا بالدوره
وما يذهبوا راهم إلاَّ لنذال
وبعقل زايد ع الغشيم ابوره
مسافة شهر كامل وما تنطال
وأنتِ لك وتعرفي بأموره
وعارفه على نفسك فروض الخال
إن قلتي نريد الحق نا مجيوره
ما نظلموك بحكمنا موحال
والقاضي اللِّي في الوطن يلاَّ شوره
ووين ما نجوه يحلَّها حلاَّل


ومعاك طالب التحقيق


العقل كان لاويت يوسقك([2])

!!!!

ومن قصص بيت الجلاَّس هناك قصة تقول :
    كان في النجع شابٌّ عزف عن الزواج ، كما كانت هناك فتاة عزفت هي أيضاً عن الزواج بالرغم من إلحاح أهلهما على
الزواج ، والد الشاب عرف السبب وهو وجود علاقة بين ابنه
والفتاة ، ويعود سبب عدم تقدمه لخطبتها إلى وجود مشاكل بين الأسرتين ، لذا قرَّر الوالد طلب يد الفتاة على الرغم من تلك المشاكل المزمنة بينهما .
وبالفعل ذهب إلى والد الفتاة وبرفقته بعض أعيان النجـع ، وتقدم لطلب يدها لابنه ، رفض والد الفتاة الطلب ضارباً بعواطف ابنته عرض الحائط .
رجع والد الشاب ورفاقه وقرر أمامهم الرحيل عن النجع ، و بدأ في تجهيز أسرته للرحيل ، أهل النجع حاولوا منعه لكنه رفض ؛ فقرَّروا أن يرحل والد الفتاة عن النجع أيضاً عقاباً له .
قابل الشاب الفتاة ووعدها بألاَّ يتزوج غيرها ، وهي كذلك قطعت على نفسها الوعد نفسه ، فقال لها إن الشاهد عليها هو راعي أبل
أبيها ، وكان صديقه ، ويمتاز برجاحة العقل ، ومواقوفه المشهودة في المواقف الحرجة ، وبالفعل رحلت الأسرتان في اتجاهين مختلفين تاركين المضارب وأهلها .
وحلَّت أسرة الفتاة على نجع آخر وبدأ الشباب بذاك النجع محاولة التقرب للفتاة ؛ لكنها أبت وراعي الإبل يراقبها ، للتأكُّد من صدق عهدها مع حبيبها البعيد ، كل محاولات شباب النجع باءت
بالفشل ، وفي ذات مـرة قرَّر أحدهم أن يجبرها على اتخاذ موقف معين ؛ فأتى بأربعة عشر جواداً وفارساً ، وقال لهم :
" اربطوا كلَّ جواد في وتدٍ من أوتاد بيت الفتاة "
فعلوا ما طلبه منهم ، واجتمع أهل النجع ودخلوا البيت ، وتقدَّم ذاك الشاب منها وقال لها : ما هو السبب الذي يمنعك من اختيار أحد شباب القبيلة زوجاً لك ، وما هي قصتك .. بماذا تفكِّرين ..!؟ هذه الخيول وفرسانها رهن يديك ، تأتيك بكل ما تطلبين ، فيجب عليك اختيار أحد شباب القبيلة زوجاً لكِ .
 في المرَّات السابقة كانت الفتاة كلمَّا تحدَّث إليها أحد الشباب ترمي رداءها على الراعي كإشارة على عدم رغبتها في الحديث
والمحاورة ، هذه المرَّة لم تفعل ، لكنَّها أطالت التفكير وسط ازدياد إلحاح الشاب عليها .. زادت حيرتها وطال تفكيرها .. اقترب الراعي منها عندما لاحظ تردُّدها ، اقترب منها أكثر فرفعت عينيها صوبه فقال لها :
الخونه وهم غيَّاب


عليك نقبها شين يا علم

!!!!
قالت :
ليش يا علم غيَّاب


لا علم لا طاري الهـم

قال :
أما الزرع لاهيهـم


وإلاَّ المال سيَّاب عندهم

قالت :
ماله مراعي فيه


والزرع يـا علم وانه هلب

قال :
إمَّا مريض يـالا الموت


وإلاَّ عزيز مو قادر يجي

قالت :
لجل خاطرك نرجوه


يقابلوا وما صار الخطاء


هنا عرف والدها مدى المعاناة التي تعانيها ابنته بسبب تمسُّكه برأيه ورفضه للشاب الذي تحبُّه ، وهو كذلك يحبها ، فقرَّر البحث عنه ، وكان الراعي خير من يكلَّف بهذه المهمة فأتمَّها بنجاح ، وعادت الأسرتان إلى نجعهما السابق ، وأقيم العرس ، وعمَّتِ الأفراح ، والتأم الشمل بعد شتاتٍ وتفرُّقٍ..


([1]) المسفورة : المسافرة ويعني بها الإبل عندما تسافر فيجب ألاَّ يطلق العنان للقوية في السير حتى لا تتأخر الضعيفة أو تبذل جهداً إضافياً يسبِّب لها التعب أو التأخر عن القافلة .
([2]) يوسقك : يأخذك بالإكراه.






إرسال تعليق

(مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

ليبيا لليبيين يسقط الاحتلال التركي

مساحة إعلانية

اذكر الله

يمكنك مشاركة الموضوع على الواتساب من هاتفك المحمول فقط

اكتب كلمة البحث واضغط إنتري