الدار
في المساء وعلى الكانون حيث إبريق الشاي على النار تنهَّد الابن الكبير وقال : اليوم أغنامنا لا
تشبع ، والمياه قليلة .. سنضطر للرحيل والبحث عن ديار جديدة .
قال الوالد الذي يتخذ من
الجابر متكَّأً له بعد أن أصلح من جلسته : أذهب أنت واحد إخوتك للبحث عن مراعي أخرى
وآبار للمياه .. على أن تستأذنوا من أهلها و تتعرفوا عليهم فـ ( الجار قبل الدار ).
ذهب الروادة [1] وجالوا في الأرض بحثاً عن المراعي ،
كانوا كل يوم ينزلون ضيوفاً على نجع من النجوع .. وبعد عناء رحلة طويلة وجدوا
الماء والكلأ والجيران الأخيار الذين رحَّبوا بهم .
رجعوا إلى أهلهم فرحين سالمين غانمين وجهزوا أنفسهم للرحيل .
انطلق الرعاة ـ أولاً ـ
بقطعانهم ، ومن ثمَّ أنزلت البيوت ووضعت فوق ظهور الإبل ، وركب الشيخ والنساء
والأطفال ظهور الإبل الأخرى وبعض الخيول .
انطلقت القافلة نحو الدار الجديدة .. وصلوا بعد مسير يومين
كاملين ، سير أثناء النهار و راحة باللِّيل .. حطت القافلة ليلاً في شعبة من الشعب القريبة من النجع ، وبنيت البيوت ورتبت على عجل .. وجهِّزت وجبة العشاء .. وبين الجبّر وضع فراش
والدهم ، والباقون ذهبوا للراحة ، ومنهم من ذهب إلى الرعاة للاطمئنان على سلامتهم وسلامة الأغنام .
كاملين ، سير أثناء النهار و راحة باللِّيل .. حطت القافلة ليلاً في شعبة من الشعب القريبة من النجع ، وبنيت البيوت ورتبت على عجل .. وجهِّزت وجبة العشاء .. وبين الجبّر وضع فراش
والدهم ، والباقون ذهبوا للراحة ، ومنهم من ذهب إلى الرعاة للاطمئنان على سلامتهم وسلامة الأغنام .
مع خيوط الفجر الأولى نهض الجميع لأداء صلاة الصبح .. والدتهم
لم تنم من أنين وتنهدات الشيخ وما أن أحسَّت بأن أبنائها قد استيقضوا حتى نادتهم
وقالت لهم : والدكم مريض ، وهو لم ينم البارحة مطلقاً ..
اقتربوا منه .. أنحضر حكيم ؟ .. هل تحتاج شيئاً ؟ .. أتريد
عسلاً ؟
أجابهم : لا أريد شيئاً و لستُ مريضاً ..
ـ ولما لم تنمْ طوال اللِّيل
، وقد كنت تئنَّ على الدوام ..؟ قالت الأم .
قال :
شال طـول ليلـه يجضّ
مابا مرض جرحه البريان ناوض
نقض
شال طول ليله جضيض
يزوم بغيض نهيته غلبن غلب
مابه يريض
محونن على عهد و أيام بيض
رقيق الغرض يهاتي بسريب مدعاه
فض
وهنا عرف الأبناء السبب ، فقد كانت هذه الدار دارَ أهل أبيهم
التي شبَّ فيها ، وطلب يد فتاة من قريباته ، لكنها رفضت الزواج
منه ، مما أجبره على الرحيل ، ومنذ ذلك الحين لم يعد إلى هذه الدار إلا هذه اللِّيلة ، وبعد أن أصبح عاجزاً مريضاً أنهكته السنون والمحن .. فكانت الذكرى سكاكين تنتصب في قلبه وذاكرته ..!؟
منه ، مما أجبره على الرحيل ، ومنذ ذلك الحين لم يعد إلى هذه الدار إلا هذه اللِّيلة ، وبعد أن أصبح عاجزاً مريضاً أنهكته السنون والمحن .. فكانت الذكرى سكاكين تنتصب في قلبه وذاكرته ..!؟
إرسال تعليق
(مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)