القدر
قدر له الله سبحانه وتعالي أن يقابلها على البئر ، كانت آتية
لأخذ المياه وهو آتٍ لسقاية جواده والشرب
والراحة قليلاً من عناء السفر .
أعجبته وأحبها من النظرة الأولى ، هي بادلته الابتسام والود مما
دفعها أن تطلب منه أن يحضر لطلب يدها من أهلها .
وعدها بذلك وعاد لأهله فرحى سعيداً باللقاء ، بعد أن غزا الحب
كل جوارحه ونسي غايته من تجواله من أرض إلى أرض ، ومن نجع إلى نجع ، ومن عناء رحلة
طويلة وشاقة إلى أخرى .
نسي كل ذلك ، ونسي أنه كان يبحث عن أرض ذات كلأ وماء ، وعن
جيران يستقبلونهم استقبال الأحبة .. الماء والكلأ قسمة بينهم .. كما يتقاسمون
المشاعر في السَّرَّاء والضَّرَّاء سواءً بسواء .
عودته أفرحت أهل النجع فخرج الجميع لملاقاته آملين أن يخبرهم
بنتائج سارَّة رحلته التي يأمل الجميع أن تكون موفقة .. لكنه لم يفعل ذلك ، بل طلب
من إحدى عجائز النجع أن تأتي معه لإخبارها بما يشغل باله .. ويشعل عواطف نفسه ..
ويأسر عقله .. فأحتل كل لحظةٍ تفكير فيه ، بادرها قائلاً :
عمتي ، أنتِ في مقام أمي وجدتي ، وأنتِ تعلمين أن أبي وأمي
انتقلا إلى دار الآخرة وأنا طفلٌ صغيرٌ ، فتكفل شيخ النجع وزوجته بتربيتي فكانا لي
خير الأب و الأم .. وأنا اليوم أريد أن أطلب منك أن تذهبي لهم وتبلغيهم نيَّتي في
الزواج .
قالت : ومن هي الفتاة التي اخترتها زوجةً لكَ ؟
قال : إنها فتاة عاقلة جميلة ، قابلتها على البئر أثناء رحلتي
حيث كنت أسقي جوادي فيما كانت هي ترد الماء ، وهي ابنة شيخ النجع الذي رحَّب بقدومنا
ومجاورتنا له .
قالت العجوز :
حسناً نرحل ـ أولاً ـ إلى تلك المضارب ومــن ثم سأبلغ والدك
برغبتك بالزواج من تلك الفتاة .
أبلغ الجميع بموعد الرحيل وأعدت القافلة ، وقصدوا الدار الجديدة
التي تنتظرهم بكل الحب ، وتنتظر فتاتها حبيبها بكل الشوق .
عندما وصلوا كان الجميع في استقبالهم بكل حفاوة وطيب نفوس وحسن
ضيافة.
بعد أيام أبلغت العجوز شيخ النجع برغبة ابنه بالزواج من بنت شيخ
النجع المضيف ، فوافق على أن تبحث الموضوع مع والدتها قبل الشروع في طلبها من
أبيها ..
وذهبت العجوز لمقابلة أم الفتاة ، وعندما فاتحتها بما قدمت من
أجله ، قالت أم الفتاة : هذه الفتاة ليست بنتنا ، وإنما هي يتيمة الأب والأم ، وهي
في الحقيقة تربطنا صلة قرابة بأمها المتوفاة ، وبعد وفاتها أحضرت الفتاة مع جدتها
للعيش معنا ، لكن جدتها توفِّيت ، والفتاة كانت صغيرة فقمت بتربيتها ، ويقال إن
أهلها يعيشون في منطقة بعيدة عنا ، وإن لها أخاً شقيقاً يعيش في نجع أهلها ، لكنها
لا تعرفه ، ولا نحن نعرف عنه شيئاً..!
العجوز تذكرت أن للشاب أختاً أخذتها جدتها بعد وفاة الأمِّ
مباشرة ، فسألت عن اسم الفتاة فوجدته مطابقاً لاسم الطفلة ، كذلك كان عمرها
متطابقاً .
أخبرت شيخ النجع بذلك فذهب بنفسه إلى نظيره المضيف وسأله عن سر
الفتاة فأخبره بقصتها ، وبعد ربط الأحداث ببعضها تأكَّد أن الفتاة هي الأخت
الشقيقة للشاب ، أخبر الشاب بذلك فأخذ يردد :
هانوا بلا سيَّات .. وزادوا غلاء ع العقل .. وصار يأس ما فيه
الرجاء.
إرسال تعليق
(مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)